عندما تقترب سيارات الدفع الرباعى بالقرب من مدينة ماوسينرام (الهند) تنعدم الرؤية تماماً وذلك نظراً لوجود سحب كثيفة تغطى كل شئ و تمنع الرؤية تمامًا، يبدأ السائق فى إيقاف محرك سيارته ويخبر الركاب بأن مسار الرحلة قد انتهى. مرحبًا بكم فى المكان الأكثر رطوبة على سطح الأرض، حيث استخدام المظلات هنا شئ إجبارى.
تتهاطل الأمطار بشكل غزير على هذه القرية التى تقع فى شمال شرق الهند حيث تتساقط على طرقاتها الحجارية فى مشهد أشبه بالشلالات، ورغم ذلك لاتتوقف الحياة فى تلك المدينة، حيث تبلغ كمية الأمطار المتساقطة 11.871 مليميتر فى العام وهى الكمية الأكبر على كوكب الأرض، دخلت هذه القرية موسوعة جينيس للأرقام القياسية عام 1985 حيث وصل هطول الأمطار إلى معدل 26.000 متر،وعلى مقربة منها تقع تشيرابونجى والتى تحتل المرتبة الثانية فى التصنيف من حيث نسبة تساقط الأمطار.
يتزايد هطول الأمطار خلال الأشهر الرطبة خصوصاً من الفترة ما بين شهرأبريل إلى شهر سبتمبر، يصف سكان القرية لزائريها ضاحكينبأن أحد ما قام بترك صنبور السماء مفتوح نظراً لعدم توقف هطول الأمطار.
لا ينفك سكان القرية فى حمل المظلات التى تسمى “الكنوب” والتى يتم تصنيعهامن ورق الخيزران ونبات اللزان بالإضافة إلى قطع بلاستيكية، ففى هذه المنطقة لا يمكننا أن نتخيل أن مئات المزارعين ينتحرون كل عام بسبب الجفاف.
لا ينقطع سقوط الأمطار ليلاً ونهاراً فى ماوسينرام حيث لا يستطيع السكان رؤية الشمس لمدة طويلة، جاء ذلك على لسان أحد سكان القرية والذى أكد على أن ذلك هو ما أعطانا الله إياه ويجب أن نتقبله.
تتأثر الرؤية بحركة السحب حيث تتزايد وتنقص فى بعض الأحيان، تتساقط الأمطار بشكل مستمر على مدار الأربع وعشرين ساعة فى فصل الصيف وهو أمر طبيعى وكذلك ترتفع نسبة الرطوبة والتى تكاد أن تصل إلى نسبة 100% .
تتساقط الأمطار مسببة الفيضانات لذلك يقوم سائقى التاكسى بغلق محركاتهمعند القيادة على منحدرات الجبال حتى لا يستهلكوا الوقود، كذلك يقوم بعض السائقون بالقيادة بدون أضواء السيارات على الرغم من وجود الكثير من الضباب والذى لا يسمح بالرؤية حتى على بعد متر واحد معتقدين بأن صوت منبة السيارة قد يجنبهم من التصادم.
• تصل نسبة الرطوبة فى ماوسينرام إلى 100%.
• حققت القرية الرقم القياسى الخاص بتساقط الأمطار الذى تجاوز 26.000 متر مربع فى عام 1985.
• تتساقط فى مدينة Lloró فى كولومبيا كميات كبيرة من الأمطار تصل إلى 13.299 متر مربع والتى تقترب من الكميات الهائلة المتساقطة فى ماوسينرام.
من الصعب البقاء على قيد الحياة
يروى ترومان جونز الذى عاد إلى مسقط رأسه لقضاء بضعة أيام: “لا يُعجبنا كثيرًا هذا المناخ، فكل شىء مُعقد”. تزداد صعوبة البقاء على قيد الحياة فى هذه الأشهر بالنسبة لهؤلاء الذين لا يعملون فى مكاتب أو داخل مبانى. وهذا شعور مُشترك بين السكان، تقول لاديانجهون شانجبليانج، المعلمة سابقًا بمدرسة محلية: ” نجد صعوبة بالغة فى العمل، فكل شىء رطب، ولكن لا استطيع منع نفسى من الذهاب ولا يرغب الأطفال فى ترك المدرسة بسبب الأمطار، لذلك نعمل وإن كنا مُبتلين،وهذا الوضع قد تحسّن: فمنذ ثلاثين عامًا لم تكن الطرق مرصوفة، وكانت تُعتبر الكهرباء درب من الرفاهية.
من أجل الوصول إلى القرية من شيلونج، عاصمة بلدة ميغالايا، ينبغى عبور وادٍ حيث يقوم الفلاحون بزراعة الأرز، والمدارس تبدو مغمورة بالمياه والنهر يجرى بجانب طريق متهالك بفعل الأمطار، كما يُسبب تساقط الأمطار فى الصيف انهيارات أرضية وانقطاع الطريق الرئيسى، وتتابع لاديانجهون: “فى بعض الأحيان لا يتوفر شئ فى السوق لشرائه، لأن الطعام لا يصل بسبب انقطاع الطريق، لذلك يقومون بحمله على الأكتاف فى سلال، ولكنها تكون ثقيلة جدًا و باهظة الثمن”.
ماوسينرام ليست قرية مزارعين، وإنما هى قرية تجّار وحرفيين. تروى سانكريتا ماريانيانج، التى تعمل بالجامعة وتُدير متجرًا صغيرًا، قائلة: “تتساقط الأمطار كثيرًا لدرجة أننا لا نستطيع زراعة أى شىء، كما تقل المبيعات فى الصيف فلا يخرج الناس كثيرًا”. تقول المرأة أنه يصعُب عليها النوم بسبب ضوضاء العواصف، مع أنها تُريح آخرين.
لا تُسبب الأمطار مشكلات للجميع. فهناك بعض من يفضلون هذا الموسم عن أشهر الجفاف لأنه حتى فى المكان الأكثر رطوبة على سطح الأرض تُواجَه مشكلات نقص المياه. تقول وانبلى ماربانيانج، امرأة فى الأربعين من عمرها: “عندما تُمطر يكون الوضع أفضل، أنا أُفضل المطر لأنه يجلب الخير” وهى تعيش مع عائلتها فى منزل متواضع على منحدر جبلى.
الوضع كالآتى، عندما توجه إليها سؤالًا عن المطر، لا تُجيب وانبلى والراحة فى خاطرها، وإنما تفكر دائمًأ فى كيفية البقاء على قيد الحياة، هى تعلم أن قريتها الآن تبدو وكأنها حوض استحمام ولكن سيتوقف سقوط الأمطار فى يومٍ ما، وستستمر حاجتها إلى ذلك المورد المحدود من أجل أن تبقى على قيد الحياة.
تقول المرأة: “نحن نواجه فى الشتاء مشاكل أكثر لأن المياه تكون أقل”. نحتفظ بمياه الأمطار الموسمية فى خزانات كبيرة، ولكن فى تلك الأشهر تكون المياه قليلة”، ثم يحين النزول إلى الأنهار والبحيرات لجمع ما فى استطاعتهم من مياه، ويُراقَب جيدًا فيما تُستخدم وبأى كمية.
يؤكد خبراء الأرصاد الجوية أن موقع هذه القرية، الملتصقة ببنجلاديش وخليج بنجالا، هو السبب فى كميات الأمطار الهائلة.
يُفسر ذلك هيامبوك جونز سييملييه، الاستاذ بجامعة NEHU فى شيلونج قائلًا: “السحب المُحمّلة بالمياه، التى تتحرك من سهل بنجلاديش حتى الشمال، تتقابل مباشرةً مع هضبة ميغالايا على ارتفاع 1900 متر”، تزداد هذه السحب بينما تعبر فوق تلال كازى، ثم تنخفض حرارتها وتصب أمطارها فى هذه القرية على ارتفاع 1400 متر فوق سطح البحر، لذلك من المنطقى أن إسم ميغالايا يعنى”موطن السحب”.
ذكر العالِم الذى قام بدراسة هذه الظاهرة توقعاته قائلًا: “لقد اختبرنا العام الماضى أمطارًا بكميات فوق المتوسط فى ماوسينرام وفى تشيرابونجى، ونتوقع هذا العام أمطارًا أكثر من العام الماضى”، وأشار إلى أنه بالرغم من أن المواسم المطرية أقصر من العقود الماضية إلا أن كميات الأمطار لم تقل”.